فصل: الحكم التّكليفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


لَحْم

التّعريف

1 - اللّحْم واللّحَم لغتان‏,‏ وهو من جسم الحيوان والطّير‏:‏ الجزء العضلي الرّخو بين الجلد والعظم‏.‏

ولحم كلّ شيءٍ لبه‏,‏ واللّحمة القطعة منه‏,‏ وجمعه ألحم ولحوم ولحام ولحمان‏.‏

ولا يخرج استعمال الفقهاء عن هذا المعنى‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

الطّعام‏:‏

2 - الطّعام لغةً‏:‏ كل ما يؤكل مطلقاً‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ‏.‏

والطّعام يعم اللّحم وغيره‏.‏

الحكم التّكليفي

3 - الأصل في اللحوم الحل ولا يصار إلى التّحريم إلا لدليل خاصٍّ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً‏}‏‏,‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ‏}‏‏.‏

وقد اختلف الفقهاء في حكم بعض اللحوم من حيث الحلّ والحرمة والطّهارة والنّجاسة‏,‏ وبيان ذلك فيما يلي‏:‏

اللّحم المقطوع من حيوانٍ

4 - اتّفق الفقهاء في الجملة على أنّ ما أبين أو قطع من حيوانٍ حيٍّ مأكولٍ - غير الصوف والشّعر - فهو كميتته فلا يجوز أكله لنجاسته‏.‏

لحديث‏:‏ «ما قطع من البهيمة وهي حيّة فهي ميتة»‏.‏

وفي المسألة تفصيل ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏أطعمةٍ ف 74‏)‏‏.‏

أكل اللّحم النّتن

5 - ذهب الحنفيّة إلى حرمة أكل اللّحم إذا أنتن لأنّه يضر لا لأنّه نجس‏.‏

والمذهب عند الحنابلة عدم كراهة أكل اللّحم المنتن كما جزم به صاحب المنتهى‏,‏ وكره المرداوي أكل اللّحم المنتن‏.‏

واللّحم المنتن إن كان لحم جلالةٍ فالأصح عند الشّافعيّة أنّه يكره‏,‏ وقيل‏:‏ يحرم‏.‏

وإن كان لحم غير الجلالة وذكّي تذكيةً شرعيّةً فإنّه يكره على الصّحيح إذا نتن وتروّح كما قال الشّربيني الخطيب‏.‏

اللّحم المطبوخ بنجس

6 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة في الرّاجح عندهم والحنابلة في الصّحيح من المذهب إلى أنّ اللّحم المطبوخ بنجس لا يطهر لأنّ أجزاء النّجاسة قد تأصّلت فيه‏.‏

وفي قولٍ للمالكيّة وروايةٍ عند الحنابلة أنّه يطهر‏,‏ ولهم تفصيل في كيفيّة التّطهير ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏طهارةٍ فقرة 31‏)‏‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ لو طبخ لحم بماء نجسٍ كفى غسله‏,‏ قال النّووي وهو الّذي اختاره الشّاشي وهو المنصوص‏.‏

وقال أبو يوسف‏:‏ يطبخ بالماء ثلاث مرّاتٍ ويجفّف في كلّ مرّةٍ‏.‏

الوضوء من أكل لحم الجزور

7 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة وأحمد في روايةٍ إلى أنّ أكل لحم الجزور لا ينقض الوضوء لما رواه جابر قال‏:‏ «كان آخر الأمرين من رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء ممّا غيّرت النّار»‏.‏

وذهب الحنابلة في المذهب والشّافعي في القديم وأبو بكر بن خزيمة إلى أنّه ينقض الوضوء‏,‏ لما روى جابر بن سمرة‏:‏ «أنّ رجلاً سأل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أأتوضّأ من لحوم الغنم ‏؟‏ قال‏:‏ إن شئت فتوضّأ وإن شئت فلا توضّأ ، قال‏:‏ أتوضّأ من لحوم الإبل ‏؟‏ قال‏:‏ نعم فتوضّأ من لحوم الإبل»‏,‏ ومقتضى الأمر الإيجاب‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏وضوءٍ‏)‏‏.‏

لحم الأضحيّة

8 - ذهب الفقهاء إلى أنّه من مسنونات الأضحيّة أن يأكل المضحّي من لحم أضحيّته ويطعم ويدّخر‏,‏ والأفضل أن يتصدّق بالثلث ويتّخذ الثلث ضيافةً لأقاربه وأصدقائه ويدّخر الثلث‏.‏ أما الأضحيّة المنذورة فلا يجوز الأكل منها عند الحنفيّة والشّافعيّة‏,‏ وذهب المالكيّة والحنابلة إلى أنّ المنذورة كغيرها في جواز الأكل‏.‏

وتفصيل ذلك ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏أضحيّةٍ ف 59‏)‏‏.‏

لحم العقيقة

9 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه يستحب طبخ لحم العقيقة كلّها حتّى ما يتصدّق به‏.‏ وذهب الحنفيّة إلى أنّه يجوز في العقيقة تفريقها نيئةً ومطبوخةً‏.‏

انظر‏:‏ ‏(‏عقيقة ف 13‏)‏‏.‏

لحم الخيل

10 - ذهب الشّافعيّة والحنابلة وهو قول للمالكيّة إلى إباحة أكل لحم الخيل لحديث جابرٍ قال‏:‏ «نهى النّبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهليّة ورخّص في لحوم الخيل»‏.‏

وذهب الحنفيّة - وعليه الفتوى عندهم - وهو قول ثانٍ للمالكيّة إلى حلّ أكلها مع الكراهة التّنزيهيّة لاختلاف الأحاديث المرويّة في الباب لاختلاف السّلف‏.‏

والمذهب عند المالكيّة أنّ أكل لحم الخيل محرّم‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏أطعمةٍ ف 44‏)‏‏.‏

لحم الحمار الأهليّ

11 - ذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة وهو القول الرّاجح للمالكيّة إلى حرمة أكل لحم الحمار الأهليّ‏,‏ واستدلوا بحديث جابرٍ رضي الله عنه‏:‏ «نهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن لحوم الحمر الأهليّة»‏.‏

والقول الثّاني للمالكيّة أنّ لحم الحمار الأهليّ يؤكل مع الكراهة التّنزيهيّة‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏أطعمةٍ ف 46‏)‏‏.‏

لحم الخنزير

12 - اتّفق الفقهاء على حرمة أكل لحم الخنزير لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ‏}‏‏.‏ انظر مصطلح‏:‏ ‏(‏خنزيرٍ ف 3‏)‏‏.‏

لحم البغل

13 - ذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى حرمة أكل لحم البغل لأنّه متولّد من أصلين اجتمع فيهما الحل والحرمة فيغلّب جانب الحرمة احتياطاً‏.‏

وعند الحنفيّة البغل يتبع أمّه في الحلّ والحرمة‏.‏

والمالكيّة يقولون بقاعدة التّبعيّة للأمّ في الحكم‏,‏ مع بعض الاختلاف‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏أطعمةٍ ف 59 - 60‏)‏‏.‏

لحم الكلب

14 - ذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة وهو قول المالكيّة - صحّحه ابن عبد البرّ - إلى حرمة أكل لحم الكلب لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «كل ذي نابٍ من السّباع فأكله حرام»‏.‏

والقول الآخر للمالكيّة أنّه يكره أكل لحم الكلب‏.‏

وفي المسألة تفصيل ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏أطعمةٍ ف 24 - 29‏)‏ ومصطلح‏:‏ ‏(‏كلبٍ‏)‏‏.‏

لحم الإنسان في غير حالة الضّرورة

15 - أجمع الفقهاء على حرمة أكل لحم الإنسان لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ‏}‏ وورد الخلاف في حكم أكل المضطرّ لحم الإنسان‏.‏

وتفصيله في مصطلح‏:‏ ‏(‏ضرورةٍ ف 10‏)‏‏.‏

غسل الفم واليد من أكل اللّحم

16 - ذهب الفقهاء في الجملة إلى استحباب غسل اليدين بعد الطّعام لحديث‏:‏ «من بات وفي يده ريح غمرٍ فأصابه شيء فلا يلومنّ إلا نفسه»‏.‏

وصرّح بعض المالكيّة باستحباب غسل الفم واليد من أكل اللّحم خاصّةً‏,‏ لما جاء عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «أنّه تمضمض من السّويق»‏,‏ وهو أيسر من اللّحم‏,‏ ولما ورد عن عثمان بن عفّانٍ رضي الله عنه أنّه غسل يده من اللّحم وتمضمض منه‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏أكلٍ ف 14 - 15‏,‏ ويدٍ‏)‏‏.‏

الحلف على عدم أكل اللّحم

17 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّ الحالف على ترك اللّحم يحنث بأكل ما ليس بلحم من الشّحم ونحوه لأنّه لحم حقيقةً ويتّخذ منه ما يتّخذ من اللّحم‏.‏

واستثنى الحنفيّة شحم الإلية إلا إذا نواه في اليمين‏.‏

وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه لا يحنث لأنّه لا يسمى لحماً وينفرد عنه باسمه وصفته‏.‏

بيع اللّحم بالحيوان

18 - ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى عدم جواز بيع اللّحم بحيوان من جنسه كلحم شاةٍ بشاة حيّةٍ لحديث‏:‏ «نهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن بيع الحيوان باللّحم»‏.‏ وأجاز الحنفيّة هذا البيع‏,‏ ولهم تفصيل في ذلك ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏بيع منهي عنه ف 60‏)‏‏.‏

وهناك خلاف بين الفقهاء في بيع اللّحم بحيوان من غير جنسه وبحيوان غير مأكولٍ ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏بيع منهي عنه ف 60 - 62‏)‏‏.‏

السّلم في اللّحم

19 - ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وهو قول أبي يوسف ومحمّدٍ من الحنفيّة إلى صحّة السّلم في اللّحم بشرط ضبط صفاته بذكر الجنس والنّوع والصّفة‏,‏ وذلك لحديث‏:‏ «من أسلف في شيءٍ ففي كيلٍ معلومٍ ووزنٍ معلومٍ إلى أجلٍ معلومٍ»‏,‏ ولأنّه إذا جاز السّلم في الحيوان فاللّحم أولى‏.‏

وذهب أبو حنيفة إلى عدم صحّة السّلم في اللّحم لوجود الجهالة‏.‏

بيع اللّحم باللّحم

20 - اختلف الفقهاء في بيع اللّحم باللّحم وهو خلاف مبني على كون اللّحم جنساً واحداً أو أجناساً مختلفةً‏,‏ فمن قال بأنّ اللّحم جنس واحد لم يجز عنده بيع لحمٍ بلحم إلا متماثلاً‏,‏ ومن جعله أجناساً مختلفةً جاز عنده بيعه متفاضلاً‏,‏ على تفصيلٍ في كلّ مذهبٍ ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏رباً ف 27 - 30‏)‏‏.‏

لَحْن

التّعريف

1 - اللّحن‏:‏ في اللغة يطلق على معانٍ عدّةٍ‏.‏

يقال‏:‏ لحن فلان لفلان لحناً‏:‏ قال له قولاً يفهمه عنه‏,‏ ويخفى على غيره‏,‏ ويطلق على الخطأ في الإعراب ومخالفة الصّواب فيه‏,‏ يقال‏:‏ لحن القارئ في القراءة والمتكلّم في كلامه‏,‏ يلحن لحناً‏:‏ أخطأ في الإعراب‏,‏ وخالف وجه الصّواب‏.‏

ويطلق على الفطنة‏,‏ ففي الأثر‏:‏ «إنّكم تختصمون إليّ ولعلّ بعضكم أن يكون ألحن بحجّته من بعضٍ‏.‏‏.‏» أي أفطن بحجّته‏,‏ قال ابن حجرٍ‏:‏ المراد أنّه إذا كان أفطن كان قادراً على أن يكون أبلغ في حجّته من الآخر‏,‏ ويطلق على الأصوات المصوغة الموضوعة الّتي فيها تغريد‏,‏ وتطريب‏,‏ وجمعه ألحان‏,‏ ولحون‏,‏ ويقال‏:‏ لحن القول أي فحواه ومعناه‏.‏

وفي اصطلاح النّحويّين هو‏:‏ الخطأ في إعراب الكلمة‏,‏ أو تصحيح المفرد‏.‏

وعند القرّاء هو‏:‏ خلل يطرأ على اللّفظ فيخل بالمعنى‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ‏.‏

الأحكام المتعلّقة باللّحن

تعمد اللّحن في قراءة القرآن

2 - القرآن كلام اللّه المعجز المنزّل على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم المنقول بالتّواتر‏,‏ فيحرم تعمد اللّحن فيه‏,‏ سواء أغيّر المعنى أم لم يغيّر‏,‏ لأنّ ألفاظه توقيفيّة نقلت إلينا بالتّواتر‏,‏ فلا يجوز تغيير لفظٍ منه بتغيير الإعراب أو بتغيير حروفه بوضع حرفٍ مكان آخر‏.‏

ولأنّ في تعمد اللّحن عبثاً بكلام اللّه‏,‏ واستهزاءً بآياته‏,‏ وهو كفر بواح‏,‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ، لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ‏}‏‏.‏

قال جمهور الفقهاء بجواز قراءة القرآن بالألحان إذا لم تتغيّر الكلمة عن وضعها‏,‏ ولم يحصل باللّحن تطويل بحيث يصير الحرف حرفين‏,‏ أو يصل به إلى ما لم يقله أحد من القرّاء بل كان لمجرّد تحسين الصّوت‏,‏ وتزيين القراءة‏,‏ بل يستحب ذلك‏,‏ وفي أثرٍ عن عمر رضي الله عنه‏:‏ ‏"‏ تعلّموا الفرائض واللّحن والسنن كما تعلّمون القرآن ‏"‏‏.‏

ونقل النّووي عن الماورديّ أنّه قال‏:‏ القراءة بالألحان الموضوعة إن أخرجت لفظ القرآن عن صيغته بإدخال حركاتٍ فيه أو إخراج حركاتٍ منه أو قصر ممدودٍ أو مدّ مقصورٍ‏,‏ أو تمطيطٍ يخفى به بعض اللّفظ ويلتبس المعنى فهو حرام يفسق به القارئ ويأثم به المستمع‏,‏ لأنّه عدل به عن نهجه القويم إلى الاعوجاج واللّه تعالى يقول‏:‏ ‏{‏قُرآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ‏}‏‏.‏

قال‏:‏ وإن لم يخرجه اللّحن عن لفظه وقراءته على ترتيله كان مباحاً‏,‏ لأنّه زاد بألحانه في تحسينه‏.‏

ونقل ابن حجرٍ الهيتمي عن الشّاشيّ أنّه نسب في حليته إلى الشّافعيّ ما قاله الماورديّ‏.‏ وقال في الفتاوى الهنديّة‏:‏ إن قرأ بالألحان في غير الصّلاة إن غيّر الكلمة ويقف في موضع الوصل أو فصل في موضع الوقف يكره وإلا لا يكره‏.‏

والتّفصيل في مصطلحات‏:‏ ‏(‏قراءةٍ ف 9‏,‏ غناءٍ ف 11‏)‏‏.‏

اللّحن في القراءة في الصّلاة

3 - ذهب الفقهاء إلى أنّ تعمد اللّحن في الصّلاة إن كان في الفاتحة يبطل الصّلاة واختلفوا فيه إذا لم يتعمّد‏,‏ أو كان في غير الفاتحة‏:‏

قال الشّافعيّة والحنابلة‏:‏ إن كان اللّحن لا يغيّر المعنى كرفع هاء الحمد للّه كانت إمامته مكروهةً كراهةً تنزيهيّةً وصحّت صلاته وصلاة من اقتدى به‏.‏

وإن غيّر المعنى كضمّ ‏"‏ تاء ‏"‏ أنعمت‏,‏ وكسرها‏,‏ وكقوله‏:‏ اهدنا الصّراط المستقين بدل ‏"‏ المستقيم ‏"‏‏.‏

فإن كان يمكن له التّعلم فهو مرتكب للحرام‏,‏ ويلزمه المبادرة بالتّعلم‏,‏ فإن قصّر‏,‏ وضاق الوقت لزمه أن يصلّي‏,‏ ويقضي‏,‏ ولا يصح الاقتداء به‏,‏ وإن لم يمكنه التّعلم لعجز في لسانه‏,‏ أو لم تمض مدّة يمكن له التّعلم فيها فصلاته صحيحة‏,‏ وكذا صلاة من خلفه‏,‏ هذا إذا وقع اللّحن في الفاتحة‏,‏ وإن لحن في غير الفاتحة كالسورة بعد الفاتحة صحّت صلاته‏,‏ وصلاة كلّ أحدٍ صلّى خلفه‏,‏ لأنّ ترك السورة لا يبطل الصّلاة فلا يمنع الاقتداء به‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ تفسد الصّلاة باللّحن الّذي يغيّر المعنى تغييراً يكون اعتقاده كفراً سواء وجد مثله في القرآن أم لا‏,‏ إلا ما كان في تبديل الجمل مفصولاً بوقف تامٍّ‏,‏ وإن لم يكن مثله في القرآن‏,‏ والمعنى بعيد‏,‏ ويتغيّر به المعنى تغييراً فاحشًا تفسد الصّلاة به أيضاً‏,‏ كـ ‏"‏ هذا الغبار ‏"‏ بدل ‏"‏ هذا الغراب ‏"‏ وكذا إن لم يوجد مثله في القرآن‏,‏ ولا معنى له مطلقاً‏,‏ كالسّرائل‏,‏ بدل ‏"‏ السّرائر ‏"‏‏.‏

وإن كان في القرآن مثله وكان المعنى بعيداً ولكن لا يغيّر المعنى تغييراً فاحشاً تفسد الصّلاة به عند أبي حنيفة ومحمّدٍ‏,‏ وقال بعض الحنفيّة‏:‏ لا تفسد لعموم البلوى‏,‏ وهو قول أبي يوسف وإن لم يكن في القرآن ولكن لم يتغيّر به المعنى نحو‏:‏ ‏"‏ قيّامين ‏"‏ بدل‏:‏ ‏"‏ قوّامين ‏"‏ فالخلاف بينهم بالعكس‏:‏ فالمعتبر في عدم الفساد عند عدم تغير المعنى كثيراً وجود المثل في القرآن عند أبي يوسف ، والموافقة في المعنى عند أبي حنيفة ومحمّدٍ‏,‏ فهذه قواعد المتقدّمين من أئمّة الحنفيّة‏,‏ وأمّا المتأخّرون‏:‏ كابن مقاتلٍ‏,‏ وابن سلامٍ‏,‏ وإسماعيل الزّاهد‏,‏ وأبي بكرٍ البلخيّ‏,‏ والهندوانيّ‏,‏ وابن الفضل فاتّفقوا على أنّ الخطأ في الإعراب لا يفسد الصّلاة مطلقاً‏,‏ وإن أدّى اعتقاده كفراً‏,‏ ككسر ‏"‏ ورسوله ‏"‏‏,‏ في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ‏}‏ لأنّ أكثر النّاس لا يميّزون بين وجوه الإعراب‏,‏ وإن كان الخطأ بإبدال حرفٍ بحرف‏:‏ فإن أمكن الفصل بينهما بلا كلفةٍ كالصّاد مع الطّاء بأن قرأ الطّالحات‏,‏ بدل ‏"‏ الصّالحات ‏"‏ فهو مفسد باتّفاق أئمّتهم‏,‏ وإن لم يمكن التّمييز بينهما إلا بمشقّة كالظّاء مع الضّاد والصّاد مع السّين فأكثرهم على عدم الفساد لعموم البلوى‏,‏ ولم يفرّق الحنفيّة بين أن يقع اللّحن في القراءة في الصّلاة في الفاتحة أو في غيرها‏.‏

وقال المالكيّة في أصحّ الأقوال عندهم‏:‏ لا تبطل الصّلاة بلحن في القراءة ولو بالفاتحة‏,‏ وإن غيّر المعنى‏,‏ وأثم المقتدي به إن وجد غيره‏,‏ ممّن يحسن القراءة‏.‏

اللّحن بمعنى التّغريد والتّطريب

4 - اللّحن بهذا المعنى إن كان بلا آلةٍ‏,‏ ولم يكن في ألفاظه ما يحرم كوصف امرأةٍ‏,‏ أو أمرد معيّنين حيّين‏,‏ ووصف الخمر المهيّج إليها وهجاء مسلمٍ‏,‏ أو ذمّيٍّ فهو مكروه في الجملة لشغله عن ذكر اللّه‏,‏ ولما فيه من لهوٍ‏,‏ وإن كان فيه شيء ممّا ذكر من آلةٍ‏,‏ وفحش القول فهو حرام‏.‏

وإن كان فيه حكم‏,‏ ومواعظ وخلا من الآلة فلا بأس به‏,‏ وإن قصد منه الاستشهاد‏,‏ أو ليعلم فصاحته‏,‏ وبلاغته‏,‏ أو أنشد في خلوةٍ وحده ليطرد عن نفسه الملل‏,‏ فلا بأس به أيضاً‏.‏

والتّفصيل في‏:‏ ‏(‏غناءٍ‏,‏ شعرٍ ف 17‏,‏ تشبيبٍ ف 2 - 3‏)‏‏.‏

لُحُوق

التّعريف

1 - اللحوق في اللغة‏:‏ الإدراك‏,‏ من لحق به لحقاً ولحاقاً‏:‏ أدركه‏,‏ وكل شيءٍ أدرك شيئاً فهو لاحق به‏.‏

أمّا في الاصطلاح فيختلف معناه باختلاف الأبواب الّتي يستعمل فيها‏,‏ ويستعمل الفقهاء مادّة لحق ومشتقّاتها في مسائل ثبوت النّسب‏,‏ والتحاق الذّمّيّ والمرتدّ بدار الحرب‏,‏ وإلحاق جنين المذكّاة بأمّه في الحلّ‏,‏ وإلحاق صغار السّائمة في الزّكاة‏,‏ ولحوق توابع المبيع به في البيع‏,‏ كما استعمله الأصوليون بمعنى القياس وهو إلحاق الفرع بالأصل في الحكم لعلّة مشتركةٍ بينهما‏.‏

الأحكام المتعلّقة باللحوق

تتعلّق باللحوق أحكام منها‏:‏

اللحوق في النّسب

2 - اللحوق في النّسب هو ثبوت نسب الولد‏,‏ وانتسابه لمن يمكن أن يكون منه‏,‏ لسبب من أسباب ثبوت النّسب‏,‏ وأسباب ذلك ما يأتي‏:‏

أولاً‏:‏ الزّواج الصّحيح

3 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ الولد الّذي تأتي به المرأة المتزوّجة زواجاً صحيحاً يلحق زوجها‏,‏ لحديث‏:‏ «الولد للفراش»‏,‏ والمراد بالفراش الزّوجة وما في حكمها‏,‏ وذلك بالشروط الآتية‏:‏

أ - أن يكون الزّوج ممّن يتصوّر منه الحمل عادةً‏,‏ بأن يكون بالغاً عند بعض الفقهاء‏,‏ وأن يبلغ اثنتي عشرة سنةً عند بعضٍ‏,‏ وعشر سنواتٍ عند آخرين‏,‏ فلا يلحق بالزّوج إن كان طفلاً دون التّاسعة باتّفاق الفقهاء‏,‏ كما لا يلحق بالمجبوب وهو مقطوع الذّكر عند بعض الفقهاء‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏جب ف 9‏)‏‏.‏

ب - أن تأتي به في مدّة الحمل ستّة أشهرٍ فأكثر من وقت الزّواج عند بعض الفقهاء‏,‏ ومن وقت إمكان الوطء عند آخرين‏,‏ فإن أتت به لأقلّ من الحدّ الأدنى لمدّة الحمل لا يلحقه‏,‏ وكذا إن أتت به لأكثر مدّة الحمل من تاريخ الفراق وهي سنتان عند الأحناف ورواية عند الحنابلة‏,‏ وأربع عند الشّافعيّة والحنابلة في المذهب‏,‏ وخمس عند المالكيّة على المشهور‏,‏ وقال محمّد بن عبد الحكم إنّ أقصى الحمل تسعة أشهرٍ‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏حمل ف 6‏,‏ 7‏)‏‏.‏

ج - إمكان تلاقي الزّوجين بعد العقد فإن طلّقها في مجلس العقد أو جرى العقد والزّوجان متباعدان‏:‏ أحدهما بالمشرق‏,‏ والآخر بالمغرب لم يلحقه عند الجمهور خلافاً للحنفيّة‏.‏ والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏نسب‏)‏‏.‏

ثانياً‏:‏ النّكاح الفاسد

4 - النّكاح الفاسد كالصّحيح في لحوق النّسب بالشروط المذكورة‏.‏

والتّفصيل في مصطلح ‏(‏نسب‏,‏ نكاح‏)‏‏.‏

ثالثاً‏:‏ الوطء بشبهة

5 - إن وطئ امرأةً لا زوج لها بشبهة فأتت بولد بعد مضيّ ستّة أشهرٍ فأكثر من وقت الوطء لحق نسبه به عند جمهور الفقهاء‏,‏ وقال القاضي أبو يعلى من الحنابلة‏,‏ وعزاه إلى أبي بكرٍ - منهم -‏:‏ أنّه لا يلحق به‏,‏ لأنّ النّسب لا يلحق إلا في نكاحٍ صحيحٍ‏,‏ أو فاسدٍ‏,‏ أو ملكٍ‏,‏ أو شبهة ملكٍ‏,‏ ولم يوجد شيء من ذلك‏,‏ ولأنّه وطء لا يستند إلى عقدٍ‏,‏ فلم يلحق الولد فيه كالزّنا‏.‏

وقال أحمد‏:‏ كل من درأت عنه الحدّ في وطءٍ ألحقت الولد به‏,‏ ولأنّه وطء اعتقد الواطئ حلّه‏,‏ فلحق به النّسب‏,‏ وإن وطئ ذات زوجٍ بشبهة في طهرٍ لم يصبها فيه زوجها‏,‏ فاعتزلها بعد الوطء بالشبهة حتّى أتت بولد لستّة أشهرٍ من حين الوطء بالشبهة لحق الواطئ‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏نسب‏,‏ نكاح‏)‏‏.‏

رابعاً‏:‏ الإقرار أو الاستلحاق

6 - وهو مع الصّدق واجب‏,‏ ومع الكذب‏:‏ في إلحاقه أو نفيه حرام‏,‏ وهو نوعان‏:‏

إقرار على نفس المقرّ‏.‏

وإقرار على غيره‏.‏

والإقرار على نفس المقرّ أن يقول‏:‏ هذا ابني‏,‏ أو أنا أبوه‏,‏ أو هذا أبي‏,‏ فيشترط في صحّة اللحوق بهذا الإقرار‏:‏

أ - أن يكون المقر مكلّفاً مختاراً وإن كان سفيهاً أو قناً أو كافراً‏.‏

واختلف في اشتراط الذكورة في المقرّ‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏إقرار ف 68‏)‏‏.‏

ب - أن لا يكذّبه الحس‏,‏ بأن كان المقر في سنٍّ يمكن أن يكون منه‏,‏ فإن كذّبه الحس بأن يكون في سنٍّ لا يتصوّر أن يولد لمثله مثل المستلحق‏:‏ بأن يكون أكبر منه سناً أو يكون في سنّه‏,‏ أو طرأ على المستلحق قطع ذكره وأنثييه قبل إمكان علوق ذلك الولد لم يلحقه‏.‏

ج - ألا يكذّبه الشّرع‏,‏ فإن كذّبه‏:‏ بأن كان معروف النّسب من غيره لم يلحق به وإن صدّقه المستلحق به‏,‏ لأنّ النّسب لا يقبل النّقل‏.‏

د - وأن يصدّق المستلحق إن كان أهلاً للتّصديق‏,‏ فإن كذّبه لم يلحقه إلا ببيّنة أو بيمين‏,‏ كسائر الحقوق‏,‏ وإنّ استلحق صغيراً‏,‏ أو مجنوناً لحق به بالشروط السّابقة‏,‏ ما عدا التّصديق‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏نسب‏)‏‏.‏

ويجوز أنّ يستلحق ميّتاً صغيراً أو كبيراً إن لم يكن متّهماً بطلب الإرث‏,‏ أو لسقوط القود‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ نسب - إقرار ف 63‏)‏‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ لا يجوز استلحاق منفيٍّ بلعان ولدٍ على فراش نكاحٍ صحيحٍ ، لما فيه من إبطال حقّ النّافي‏,‏ إذ للملاعن استلحاقه بعد نفيه‏,‏ وأنّ هذا الولد لا يؤثّر فيه نفي قائفٍ ولا انتساب يخالف حكم الفراش‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏نسب‏,‏ لعان ف 29 ، إقرار ف 63‏)‏‏.‏

7 - أما إذا ألحق النّسب بغيره ممّا يتعدّى النّسب منه إلى نفسه بواسطة واحدةٍ وهي الأب كهذا أخي‏,‏ أو بثنتين كالأبّ والجدّ كهذا عمّي‏,‏ أو بثلاثة‏:‏ كهذا ابن عمّي لحق نسبه من الملحق به‏,‏ لأنّ الوارث يخلف مورّثه في حقوقه والنّسب منها بالشروط السّابقة فيما إذا ألحقه بنفسه‏.‏

ويشترط زيادةً على الشروط السّابقة‏:‏ كون الملحق به ميّتًا‏,‏ فيمتنع الإلحاق بالحيّ‏,‏ وإن كان مجنوناً‏,‏ لأنّه قد يتأهّل‏,‏ فلو ألحق حياً‏,‏ ثمّ صدّقه لحقه بتصديقه دون الإلحاق‏.‏

‏(‏ر‏:‏ إقرار ف 63‏,‏ نسب‏)‏‏.‏

ولا يقر الحنفيّة لحوق النّسب بالإقرار بواسطة الغير سواء كان بواسطة واحدةٍ أو أكثر‏,‏ وسواء صدّقه المقر بنسبه أو كذّبه‏,‏ لأنّ إقرار الإنسان حجّة على نفسه لا على غيره‏,‏ لأنّه على غيره شهادة أو دعوى‏,‏ والدّعوى المفردة ليست بحجّة‏,‏ وشهادة الفرد فيما يطّلع عليه الرّجال - وهو من باب حقوق العباد - غير مقبولةٍ‏,‏ والإقرار الّذي فيه حمل نسب الغير على غيره - لا على نفسه - شهادةً أو دعوى‏,‏ وذلك لا يقبل إلا بحجّة‏.‏

‏(‏ر‏:‏ نسب‏,‏ إقرار ف 63‏)‏‏.‏

خامساً‏:‏ القيافة

8 - لو استلحق اثنان صغيراً مجهول النّسب ولم يكن لأحدهما بيّنة عرض على القافة فيلحق بمن ألحقته به منهما‏.‏

انظر‏:‏ ‏(‏لقيط‏,‏ قيافة‏)‏‏.‏

وإن استلحقا بالغاً عاقلاً‏,‏ ووجدت الشروط لحق بمن يصدّقه المستلحَق‏,‏ فإن سكت‏,‏ ولم يصدّق واحداً منهما عرض على القافة فيلحق بمن تلحقه به القافة‏.‏

‏(‏ر‏:‏ نسب‏,‏ إقرار ف 63‏,‏ قيافة‏)‏‏.‏

سادساً‏:‏ الشّهادة

9 - يلحق النّسب بالشّهادة بشروطها‏.‏

انظر‏:‏ ‏(‏شهادة ف 29‏,‏ 37‏,‏ ونسب‏,‏ وتسامع ف 7 وما بعدها‏)‏‏.‏

سابعاً‏:‏ الاستفراش بملك اليمين

10 - إذا عاشر مملوكته وأتت بولد لمدّة الحمل من يوم الوطء لحقه‏,‏ بهذا قال مالك والشّافعي وأحمد‏,‏ وقال أبو حنيفة الثّوري‏:‏ لا تصير فراشاً حتّى يقرّ بولدها‏,‏ فإذا أقرّ به صارت فراشاً له ولحقه أولادها بعد ذلك‏.‏

‏(‏ر‏:‏ تسرّي ف 18‏)‏‏.‏

لحوق الذّمّيّ بدار الحرب

11 - ينتقض عهد الذّمّة بلحوق الذّمّيّ بدار الحرب‏,‏ لأنّه صار بلحوقه دار الحرب حرباً علينا‏,‏ فيخلو عقد الذّمّة عن الفائدة‏,‏ وهو دفع شرّه عنّا‏.‏

‏(‏ر‏:‏ أهل الذّمّة ف 42‏)‏‏.‏

لحوق المرتدّ بدار الحرب وأثره في تصرفاته

12 - قال الحنفيّة‏:‏ إذا لحق المرتد بدار الحرب في مدّة الخيار في البيع‏,‏ وقضى القاضي بلحاقه صار البيع لازماً‏,‏ وإن ارتدّ في المضاربة رب المال ولحق بدار الحرب بطلت المضاربة‏,‏ لأنّ اللحوق بدار الحرب بمنزلة الموت‏,‏ وإن كان المضارب هو المرتدّ اللاحق بدار الحرب فالمضاربة على حالها‏,‏ لأنّ له عبارة صحيحة ولا يوقف ملك ربّ المال فبقيت المضاربة‏.‏

وإن ارتدّ أحد الشّريكين ولحق بدار الحرب بطلت الشّركة‏,‏ لأنّ الشّركة تتضمّن الوكالة‏,‏ ولا بدّ منها لتحقق الشّركة‏,‏ واللحوق بدار الحرب بمنزلة الموت‏.‏

وتبطل الوكالة بلحوق الوكيل بدار الحرب مرتداً لأنّ الوكالة تصرف غير لازمٍ فيكون لدوامه حكم ابتدائه‏,‏ فلا بدّ من بقاء الأمر فبطل بعارض الرّدّة‏,‏ لأنّ تصرفات المرتدّ موقوفة‏,‏ فكذا وكالته‏,‏ فإن أسلم نفذت‏,‏ وإن قتل أو لحق بدار الحرب بطلت الوكالة عند أبي حنيفة‏,‏ وعند صاحبيه‏:‏ تصرفاته نافذة فلا تبطل وكالته إلا أن يقتل بالرّدّة أو يحكم بلحاقه‏.‏

‏(‏ر‏:‏ وكالة‏)‏‏.‏

لِحْية

التّعريف

1 - اللّحية لغةً‏:‏ الشّعر النّابت على الخدّين والذّقن‏,‏ والجمع اللِّحى واللُّحى‏.‏

ورجل ألحى ولحياني‏:‏ طويل اللّحية‏,‏ واللّحي واحد اللّحيين وهما‏:‏ العظمات اللّذان فيهما الأسنان من الإنسان والحيوان‏,‏ وعليهما تنبت اللّحية‏.‏

واللّحية في الاصطلاح‏,‏ قال ابن عابدين‏:‏ المراد باللّحية كما هو ظاهر كلامهم الشّعر النّابت على الخدّين من عِذارٍ‏,‏ وعارضٍ‏,‏ والذّقن‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - العِذار‏:‏

2 - العذاران كما في لسان العرب‏:‏ جانبا اللّحية‏,‏ وكان الفقهاء أكثر تحديداً للعذار من أهل اللغة‏,‏ فقد فسّره ابن حجرٍ الهيتمي من الشّافعيّة‏,‏ وابن قدامة والبهوتي من الحنابلة بأنّه الشّعر النّابت على العظم النّاتئ المحاذي لصماخ الأذن - أي خرقها - يتّصل من الأعلى بالصدغ‏,‏ ومن الأسفل بالعارض‏,‏ وقال القليوبيّ‏:‏ الّذي تصرّح به عباراتهم أنّه إذا جعل خيط مستقيم على أعلى الأذن وأعلى الجبهة فما تحت ذلك الخيط من الملاصق للأذن‏,‏ المحاذي للعارض هو العذار‏,‏ وما فوقه هو الصدغ‏,‏ ويقول ابن عابدين‏:‏ هو القدر المحاذي للأذن‏.‏

ويصرّح ابن عابدين بأنّ العذار جزء من اللّحية‏,‏ وعليه فتنطبق عليه أحكامها‏.‏

وقال البهوتيّ‏:‏ لا يدخل منتهى العذار - أي أعلاه الّذي فوق العظم النّاتئ - لأنّه شعر متّصل بشعر الرّأس لم يخرج عن حدّه‏,‏ أشبه الصدغ‏,‏ والصدغ من الرّأس - وليس من الوجه - لحديث الرّبيع أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «مسح برأسه وصدغيه مرّةً واحدةً»‏,‏ ولم ينقل أحد أنّه غسله مع الوجه‏.‏

والصّلة بينهما العموم والخصوص المطلق فكل عذارٍ لحية ولا عكس‏.‏

ب - العارض‏:‏

3 - العارض في اللغة‏:‏ الخد‏,‏ وعارضتا الإنسان‏:‏ صفحتا خدّيه‏.‏

وعند الفقهاء العارض الشّعر النّابت على الخدّ ويمتد من أسفل العذار حتّى يلاقي الشّعر النّابت على الذّقن‏,‏ قال ابن قدامة‏:‏ العارض هو ما نزل عن حدّ العذار‏,‏ وهو الشّعر النّابت على اللّحيين‏,‏ ونقل عن الأصمعيّ والمفضّل بن سلمة‏:‏ ما جاوز وتد الأذن عارض‏,‏ فالعارضان من اللّحية‏.‏

وقيل له العارض - فيما أشار إليه ابن الأثير - لأنّه ينبت على عرض اللّحي فوق الذّقن‏.‏ ج - الذّقن‏:‏

4 - الذّقَن والذّقْن‏:‏ مجتمع اللّحيين من أسفلهما‏.‏

د - العنفقة‏:‏

5 - العنفقة‏:‏ ما بين الشّفة السفلى والذّقن‏.‏

قال ابن منظورٍ‏:‏ سمّيت بذلك لخفّة شعرها‏,‏ والعنفق‏:‏ قلّة الشّيء وخفّته‏.‏

وقيل‏:‏ العنفقة ما نبت على الشّفة السفلى من الشّعر‏.‏

ويجاوز العنفقة يميناً وشمالاً الفنيكان‏,‏ وهما‏:‏ الموضعان الخفيفا الشّعر بين العنفقة والعارضين وقيل‏:‏ هما جانبا العنفقة‏.‏

هـ - السّبال‏:‏

6 - السّبال لغةً‏:‏ جمع السَّبلة‏,‏ وسبلة الرّجل‏:‏ الدّائرة الّتي في وسط شفته العليا‏,‏ وقيل‏:‏ السّبلة ما على الشّارب من الشّعر‏,‏ وقيل‏:‏ طرفه‏,‏ وقيل‏:‏ هي مقدّم اللّحية‏,‏ وقيل‏:‏ هي اللّحية‏,‏ وعلى كونه بمعنى ما على الشّارب من الشّعر ورد الحديث‏:‏ «قصوا سبالكم ووفّروا عثانينكم وخالفوا أهل الكتاب»‏,‏ وعلى كونه بمعنى اللّحية ورد قول جابرٍ‏:‏ ‏"‏ كنّا نعفي السّبال إلا في حجٍّ أو عمرةٍ ‏"‏‏.‏

أمّا الفقهاء فقد جعلوا السّبال مفرداً‏,‏ وهو عندهم‏:‏ طرف الشّارب‏.‏

قال ابن عابدين‏:‏ السّبالان طرفا الشّارب‏,‏ قال‏:‏ قيل‏:‏ وهما من الشّارب‏,‏ وقيل من اللّحية‏.‏

وقال ابن حجرٍ مثل ذلك‏.‏

الأحكام المتعلّقة باللّحية

تتعلّق باللّحية أحكام منها‏:‏

إعفاء اللّحية

7 - إعفاء اللّحية مطلوب شرعاً اتّفاقاً‏,‏ للأحاديث الواردة بذلك‏,‏ منها حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «خالفوا المشركين وفّروا اللّحى وأحفوا الشّوارب»‏,‏ ومثله حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه بلفظ‏:‏ «جزوا الشّوارب وأرخوا اللّحى خالفوا المجوس»‏,‏ ومنها حديث عائشة رضي الله عنها عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «عشر من الفطرة»‏,‏ فعدّ منها إعفاء اللّحية‏.‏

قال ابن حجرٍ‏:‏ المراد بقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «خالفوا المشركين» مخالفة المجوس فإنّهم كانوا يقصون لحاهم‏,‏ ومنهم من كان يحلقها‏,‏ وقال‏:‏ ذهب الأكثرون إلى أن ‏"‏ أعفوا‏"‏ بمعنى كثّروا‏,‏ أو وفّروا‏,‏ ونقل عن ابن دقيق العيد‏:‏ تفسير الإعفاء بالتّكثير من إقامة السّبب مقام المسبّب لأنّ حقيقة الإعفاء التّرك‏,‏ وترك التّعرض للّحية يستلزم تكثيرها‏.‏

وقال ابن عابدين من الحنفيّة‏:‏ إعفاء اللّحية تركها حتّى تكثّ وتكثر‏.‏

تكثير اللّحية بالمعالجة

8 - قال ابن دقيق العيد‏:‏ لا أعلم أحداً فهم من الأمر في قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «أعفوا اللّحى» تجويز معالجتها بما يغزرها‏,‏ كما يفعله بعض النّاس‏,‏ قال‏:‏ وكأنّ الصّارف عن ذلك قرينة السّياق في قوله في بقيّة الخبر‏:‏ «وأحفوا الشّوارب»

قال ابن حجرٍ‏:‏ ويمكن أن يؤخذ ذلك من بقيّة طرق الحديث الدّالّة على مجرّد التّرك‏.‏

الأخذ من اللّحية

9 - ذهب بعض الفقهاء‏,‏ منهم النّووي إلى أن لا يتعرّض للحيّة‏,‏ فلا يؤخذ من طولها أو عرضها لظاهر الخبر في الأمر بتوفيرها‏,‏ قال‏:‏ المختار تركها على حالها‏,‏ وأن لا يتعرّض لها بتقصير ولا غيره‏.‏

وذهب آخرون منهم الحنفيّة والحنابلة إلى أنّه إذا زاد طول اللّحية عن القبضة يجوز أخذ الزّائد‏,‏ لما ثبت أنّ ابن عمر رضي الله عنهما كان إذا حلق رأسه في حجٍّ أو عمرةٍ أخذ من لحيته وشاربه‏,‏ وفي روايةٍ كان إذا حجّ أو اعتمر قبض على لحيته فما فضل أخذه‏.‏

قال ابن حجرٍ‏:‏ الّذي يظهر أنّ ابن عمر كان لا يخص هذا بالنسك بل كان يحمل الأمر بالإعفاء على غير الحالة الّتي تتشوّه فيها الصورة بإفراط طول شعر اللّحية أو عرضه‏.‏

قال الحنفيّة‏:‏ إنّ أخذ ما زاد عن القبضة سنّة‏,‏ جاء في الفتاوى الهنديّة‏:‏ القص سنّة فيها‏,‏ وهو أن يقبض الرّجل على لحيته‏,‏ فإن زاد منها عن قبضته شيء قطعه‏,‏ كذا ذكره محمّد رحمه الله عن أبي حنيفة‏,‏ قال‏:‏ وبه نأخذ‏.‏

وفي قولٍ للحنفيّة‏:‏ يجب قطع ما زاد عن القبضة ومقتضاه كما نقله الحصكفيّ‏,‏ الإثم بتركه‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ لا يكره أخذ ما زاد عن القبضة منها‏,‏ ونصّ عليه أحمد‏,‏ ونقلوا عنه أنّه أخذ من عارضيه‏.‏

وذهب آخرون من الفقهاء إلى أنّه لا يأخذ من اللّحية شيئاً إلا إذا تشوّهت بإفراط طولها أو عرضها‏,‏ نقله الطّبريّ عن الحسن وعطاءٍ‏,‏ واختاره ابن حجرٍ وحمل عليه فعل ابن عمر‏,‏ وقال‏:‏ إنّ الرّجل لو ترك لحيته لا يتعرّض لها حتّى أفحش طولها أو عرضها لعرّض نفسه لمن يسخر به‏,‏ وقال عياض‏:‏ الأخذ من طول اللّحية وعرضها إذا عظمت حسن‏,‏ بل تكره الشهرة في تعظيمها كما تكره في تقصيرها‏,‏ ومن الحجّة لهذا القول ما ورد أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «كان يأخذ من لحيته من طولها وعرضها»‏,‏ أمّا الأخذ من اللّحية وهي دون القبضة لغير تشوهٍ ففي حاشية ابن عابدين‏:‏ لم يبحه أحد‏.‏

حلق اللّحية

10 - ذهب جمهور الفقهاء‏:‏ الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة‏,‏ وهو قول عند الشّافعيّة‏,‏ إلى أنّه يحرم حلق اللّحية لأنّه مناقض للأمر النّبويّ بإعفائها وتوفيرها‏,‏ وتقدّم قول ابن عابدين في الأخذ منها وهي دون القبضة‏:‏ لم يبحه أحد‏,‏ فالحلق أشد من ذلك‏.‏

وفي حاشية الدسوقيّ المالكيّ‏:‏ يحرم على الرّجل حلق لحيته‏,‏ ويؤدّب فاعل ذلك‏,‏ وقال أبو شامة من الشّافعيّة‏:‏ قد حدث قوم يحلقون لحاهم‏,‏ وهو أشد ممّا نقل عن المجوس أنّهم كانوا يقصونها‏.‏

ثمّ قد جاء في الفتاوى الهنديّة‏:‏ ولا يحلق شعر حلقه‏,‏ ونصّ الحنابلة كما في شرح المنتهى على أنّه لا يكره أخذ الرّجل ما تحت حلقه من الشّعر أي لأنّه ليس من اللّحية‏.‏

والأصح عند الشّافعيّة‏:‏ أنّ حلق اللّحية مكروه‏.‏

قصّ السّبالين

11 - تقدّم أنّ السّبالين قد اختلف فيهما هل هما من الشّاربين أم من اللّحية‏,‏ وعليه ينبني الخلاف فيهما‏,‏ قال ابن عابدين‏:‏ أمّا طرفا الشّارب وهما السّبالان‏,‏ فقيل‏:‏ هما من الشّارب وقيل‏:‏ من اللّحية‏,‏ وعليه فقد قيل‏:‏ لا بأس بتركهما‏,‏ وقيل‏:‏ يكره لما فيه من التّشبه بالأعاجم وأهل الكتاب‏,‏ قال‏:‏ وهذا أولى بالصّواب‏.‏

وقال ابن حجرٍ‏:‏ اختلف في السّبالين فقيل‏:‏ هما من الشّارب ويشرع قصهما معه‏,‏ وقيل‏:‏ هما من جملة شعر اللّحية‏,‏ وأمّا القص فهو الّذي في أكثر الأحاديث‏.‏

وذهب الحنابلة إلى أنّ السّبالين من الشّارب فيشرع قصهما معه‏.‏

قال ابن عمر رضي الله تعالى عنهما‏:‏ ذكر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم المجوس فقال‏:‏ «إنّهم يوفون سبالهم ويحلقون لحاهم فخالفوهم» قال‏:‏ فكان ابن عمر يستعرض سبلته فجزّها‏.‏

العناية باللّحية

12 - العناية باللّحية بأخذ ما طال منها وتشوّه أمر مشروع على ما تقدّم تفصيله‏.‏

ويسن إكرامها لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من كان له شعر فليكرمه»‏,‏ قال الغزالي والنّووي‏:‏ ويكره للرّجل ترك لحيته شعثةً إيهاماً للزهد‏.‏

لما روي عن جابر بن عبد اللّه رضي الله عنهما قال‏:‏ «أتانا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فرأى رجلاً شعثاً قد تفرّق شعره ، فقال‏:‏ أما كان يجد هذا ما يسكن به شعره»‏.‏

ويسن ترجيلها‏,‏ قال ابن بطّالٍ‏:‏ التّرجيل تسريح شعر الرّأس واللّحية ودهنه‏,‏ وهو من النّظافة وقد ندب الشّرع إليه‏,‏ وقال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ‏}‏‏,‏ وفي حديث عائشة رضي الله عنها‏:‏ «كان لا يفارق النّبيّ صلى الله عليه وسلم سواكه ومشطه ، وكان ينظر في المرآة إذا سرّح لحيته»‏.‏

ويسن تطييبها لقول عائشة رضي الله عنها‏:‏ «كنت أطيّب النّبيّ صلى الله عليه وسلم بأطيب ما يجد ، حتّى أجد وبيص الطّيب في رأسه ولحيته»‏.‏

وفي الفتاوى الهنديّة‏:‏ لا بأس بغالية الرّأس واللّحية‏,‏ والغالية‏:‏ طيب يجمع طيوباً‏.‏

وانظر‏:‏ ‏(‏ترجيل ف 2 وما بعدها‏,‏ شعر ف 16‏)‏‏.‏

صبغ اللّحية

13 - يسن صبغ اللّحية بغير السّواد إذا ظهر فيها الشّيب‏,‏ أمّا بالسّواد فذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه يكره صبغها بالسّواد في غير الحرب‏,‏ وقال الشّافعيّة‏:‏ تحرم لغير المجاهدين‏.‏

وانظر مصطلح‏:‏ ‏(‏اختضاب ف 9 - 11‏)‏‏.‏

أمور تكره في اللّحية

14 - قال ابن حجرٍ‏:‏ ذكر النّووي ممّا يكره‏:‏ تبييض اللّحية استعجالاً للشّيخوخة لقصد التّعاظم على الأقران‏,‏ ونتفها إبقاءً للمرودة وكذا تحذيفها ونتف الشّيب‏,‏ ورجّح النّووي تحريمه لثبوت الزّجر عنه‏,‏ وتصفيفها طاقةً فوق طاقةٍ تصنعاً ومخيلةً‏,‏ وعقدها لحديث رويفع بن ثابتٍ رضي الله عنه مرفوعاً‏:‏ «من عقد لحيته فإنّ محمّداً منه بريء»‏,‏ قال الخطّابيّ‏:‏ قيل‏:‏ المراد عقدها في الحرب‏,‏ وهو من زيّ الأعاجم‏,‏ وقيل‏:‏ المراد معالجة الشّعر حتّى ينعقد وذلك من فعل أهل التّأنيث‏.‏

غسل اللّحية في الوضوء

15 - تتّفق المذاهب الأربعة على أنّه يجب في الوضوء غسل بشرة الوجه من شعر اللّحية إن كان خفيفاً تظهر البشرة من تحته‏,‏ فيغسل البشرة ويغسل اللّحية ظاهراً وباطناً‏,‏ والمراد بظهور البشرة ظهورها في مجلس المخاطبة‏,‏ ووجه الوجوب أنّ اللّه تعالى فرض في الوضوء غسل الوجه‏,‏ والوجه من المواجهة‏,‏ والمواجهة تحصل في اللّحية ذات الشّعر الخفيف ببشرة الوجه وبالشّعر الّذي عليها‏.‏

وهذا الاتّفاق إنّما هو فيما كان من الشّعر في حيّز دائرة الوجه‏,‏ دون المسترسل من اللّحية تحت الذّقن طولاً‏,‏ ودون الخارج عن حدّ الوجه عرضاً‏,‏ فإنّ في هذا خلافاً يأتي بيانه‏.‏

أمّا اللّحية الكثيفة فتتّفق الأقوال المعتمدة في المذاهب الأربعة على أنّه لا يجب في الوضوء غسل باطنها ولا إيصال الماء إلى البشرة ومنابت الشّعر‏,‏ لعدم حصول المواجهة به لأنّه لا يرى في مجلس المخاطبة‏,‏ فلا يكون من الوجه المأمور بغسله‏,‏ وفي نيل المآرب‏:‏ لو اجتزأ بغسل باطنها عن غسل ظاهرها لم يجزئه‏,‏ ولأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «أخذ غرفةً من ماءٍ فغسل بها وجهه» ، قالوا‏:‏ والغرفة لا تكفي لغسل الوجه وظاهر اللّحية الكثيفة وباطنها‏,‏ وفي هذه الحال ينتقل حكم ما تحت اللّحية إليها عند الجمهور‏,‏ فيجب غسل ظاهر ما في حدّ الوجه منها‏.‏

ولا يسن غسل باطن اللّحية الكثيفة على ما صرّح به الحنفيّة والحنابلة لما فيه من العسر‏,‏ على ما قال ابن قدامة من الحنابلة‏,‏ ورجّح صاحب الإنصاف من الحنابلة أنّ غسل باطنها مكروه وتبعه صاحب الإقناع‏.‏

وفي روايةٍ عن أبي حنيفة وروايةٍ عن أحمد‏:‏ لا يغسل اللّحية الكثيفة في الوضوء ولا يغسل ما تحتها أيضاً‏,‏ لأنّ اللّه تعالى إنّما أمر بغسل الوجه‏,‏ والوجه اسم للبشرة الّتي تحصل بها المواجهة‏,‏ والشّعر ليس ببشرة‏,‏ وما تحته من البشرة لا تحصل به المواجهة‏.‏

وقد نقل ابن عابدين أنّ الرّواية الأولى هي المذهب الصّحيح المفتى به‏,‏ وما عداها مرجوع عنه‏,‏ كما أنّ ابن قدامة ضعّف رواية عدم الغسل عن أحمد وأوّلها‏.‏

ونقل ابن قدامة عن عطاءٍ وأبي ثورٍ أنّه يجب غسل البشرة وباطن اللّحية الكثيفة - كغير الكثيفة - في الوضوء كما في الغسل‏,‏ لأنّ اللّه تعالى أمر بغسل الوجه‏,‏ وهو حقيقة في البشرة‏,‏ وتدخل اللّحية تبعاً‏,‏ ونقل القرافي قولاً مثل هذا للمالكيّة‏.‏

قال‏:‏ لأنّ الخطاب متناول له بالأصالة‏,‏ ولغيره بالرخصة‏,‏ والأصل عدمها‏.‏

وعلى القول الأوّل‏,‏ وهو قول الأكثرين‏,‏ يكون غسل ظاهر اللّحية - على ما نصّ عليه الحنفيّة على الأصحّ عندهم - بإمرار الماء على ظاهرها‏,‏ وقال المالكيّة‏:‏ المراد بغسل ظاهرها إمرار اليد عليها بالماء وتحريكها به لأنّ الشّعر يدفع بعضه عن بعضٍ‏,‏ فإذا حرّكه حصل الاستيعاب‏,‏ قالوا‏:‏ وهذا التّحريك خلاف التّخليل‏.‏

ما استرسل من اللّحية أو خرج عن حدّ الوجه

16 - اختلف الفقهاء في غسل ما خرج عن حدّ الفرض من اللّحية في الوضوء‏:‏

فذهب الحنفيّة والمالكيّة في قولٍ والشّافعيّة في قولٍ‏,‏ وهو رواية عن أحمد‏,‏ إلى أنّه لا يجب غسله ولا مسحه ولا تخليله‏,‏ لأنّه ليس من الوجه‏,‏ لأنّه شعر خارج عن محلّ الفرض‏,‏ فأشبه ما نزل من شعر الرّأس عن الرّأس‏,‏ لا يجب مسحه مع مسح الرّأس‏.‏

ثمّ قد قال الحنفيّة‏:‏ إنّ غسل هذا الشّعر المسترسل من اللّحية مسنون‏.‏

وذهب المالكيّة في قولٍ ذكره القرافي والشّافعيّة في المعتمد‏,‏ وهو ظاهر مذهب أحمد الّذي عليه أصحابه‏,‏ إلى وجوب غسل ظاهر اللّحية الكثيفة كلّها ممّا هو نابت في محلّ الفرض سواء حاذى محلّ الفرض أو جاوزه‏,‏ قال الشّافعيّة‏:‏ وإنّما يجب غسل ما جاوز محلّ الفرض بالتّبع‏,‏ وقال الحنابلة‏:‏ لأنّ اللّحية تشارك الوجه في معنى التّوجه والمواجهة‏,‏ بخلاف ما نزل من شعر الرّأس عنه‏,‏ فإنّه لا يشارك الرّأس في التّرؤُّس‏.‏

حلق شعر اللّحية بعد غسله في الوضوء

إذا توضّأ فغسل ظاهر لحيته‏,‏ أو ظاهرها وباطنها‏,‏ ثمّ أزالها بحلق أو غيره لم يلزمه إعادة الوضوء على ما صرّح به الحنفيّة وهو الرّاجح عند المالكيّة‏.‏

وانظر‏:‏ ‏(‏وضوء‏)‏‏.‏

تخليل اللّحية الكثيفة في الوضوء

17 - يسن لغير المحرم تخليل اللّحية الكثيفة في الوضوء عند كلٍّ من الشّافعيّة والحنابلة‏,‏ وهو قول أبي يوسف من الحنفيّة وقول للمالكيّة‏,‏ وذلك للحديث الوارد أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «كان إذا توضّأ خلّل لحيته»‏,‏ وفعله ابن عمر وابن عبّاسٍ وأنس والحسن رضي الله عنهم‏,‏ وقال أبو حنيفة ومحمّد‏:‏ هو فضيلة ، قال ابن عابدين‏:‏ ورجّح في المبسوط قول أبي يوسف‏,‏ والأدلّة ترجّحه وهو الصّواب‏.‏ ا هـ‏.‏

وقد وردّ التّرخيص في ترك التّخليل عن ابن عمر والحسن بن عليٍّ وطاووسٍ والنّخعيّ وغيرهم‏,‏ وقال من لم يوجبه‏:‏ إنّ اللّه تعالى أمر بغسل الوجه ولم يأمر بالتّخليل‏,‏ وإنّ أكثر من حكى وضوء النّبيّ صلى الله عليه وسلم لم يحك أنّه خلّل لحيته مع أنّه كان كثيفها‏,‏ فلو كان واجباً لما أخلّ به‏.‏

وفي قولٍ للمالكيّة‏:‏ التّخليل مكروه‏,‏ وهو الرّاجح عندهم على ظاهر ما في المدوّنة من قول مالكٍ‏:‏ تحرّك اللّحية من غير تخليلٍ‏.‏

والقول الثّالث للمالكيّة‏,‏ وهو قول إسحاق بن راهويه‏:‏ التّخليل واجب‏,‏ والتّخليل عند من قال به يكون مع غسل الوجه‏,‏ إلا أنّ الحنابلة نقلوا عن نصّ أحمد أنّ التّخليل يكون مع غسل الوجه أو إن شاء مع مسح الرّأس‏.‏

وصفته على ما في شرح منتهى الإرادات أن يأخذ كفاً من ماءٍ يضعه من تحتها فيخلّلها بأصابعه مشتبكةً‏,‏ أو يضعه من جانبيها ويعرّكها به‏.‏

غسل العنفقة في الوضوء‏:‏

18 - يجب في الوضوء غسل العنفقة والبشرة تحتها إن كانت خفيفةً‏,‏ فإن كانت كثيفةً فالأكثر من العلماء على أنّه يجب غسل ظاهرها فقط‏,‏ كاللّحية‏,‏ وقيل‏:‏ يجب غسلها ظاهراً وباطناً بكلّ حالٍ لأنّها لا تستر ما تحتها عادةً‏,‏ وإن وجد ذلك كان نادراً فلا يتعلّق به حكم‏.‏

غسل اللّحية في الغسل من الجنابة

19 - يجب في الغسل من الجنابة عند جمهور الفقهاء غسل البشرة تحت اللّحية سواء كان الشّعر كثيفاً أو خفيفاً‏,‏ وذلك لما روي عن عليٍّ رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «من ترك موضع شعرةٍ من جنابةٍ لم يغسلها فعل به كذا وكذا من النّار» ، قال علي‏:‏ فمن ثمّ عاديت شعري ، وكان يجز شعره‏,‏ ولحديث أبي هريرة أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «إنّ تحت كلّ شعرةٍ جنابة فاغسلوا الشّعر ، وأنقوا البشر»‏.‏

والشّعر نفسه يجب غسله وإيصال الماء إلى أثنائه حتّى ما استرسل منه‏,‏ وفي وجهٍ عند الحنابلة‏:‏ لا يجب ذلك‏,‏ ويجب عند المالكيّة تخليل شعر اللّحية‏.‏

وانظر مصطلح‏:‏ ‏(‏غسل ف 24‏)‏‏.‏

مسح اللّحية في التّيمم

20 - يجب في التّيمم مسح اللّحية مع مسح الوجه عند جميع الفقهاء‏,‏ فيمسح على ظاهر الشّعر سواء كان الشّعر خفيفاً أو كثيفاً‏,‏ فلا يجب ولا يندب إيصال التراب إلى الشّعر الباطن ولا إلى البشرة لعسره‏,‏ ولأنّ المسح مبني على التّخفيف‏.‏

واشترط الحنفيّة على الصّحيح عندهم‏,‏ والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة استيعاب ظاهر شعر الوجه‏,‏ قال في الدرّ المختار‏:‏ حتّى لو ترك شعرةً لم يجز‏,‏ قال المالكيّة‏:‏ ويجب مسح ما طال من اللّحية‏,‏ ولا يخلّلها لأنّ المسح مبني على التّخفيف‏.‏

ما يتعلّق باللّحية من الأحكام في الإحرام

21 - لا يجوز للمحرم حلق لحيته في الإحرام ولا الأخذ منها كثيراً أو قليلاً‏,‏ إلا لعذر إجماعاً‏,‏ وقياساً على تحريم حلق الرّأس المنصوص عليه في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ‏}‏‏.‏

فإن حلق لحيته وهو محرم لعذر أو لغير عذرٍ فعليه دم‏,‏ وإن أخذ أقلّ من ذلك ففيه تفصيل وخلاف يرجع إليه في مصطلح‏:‏ ‏(‏إحرام ف 71‏,‏ 155‏)‏‏.‏

ويحرم على المحرم دهن لحيته ولو بدهن غير مطيّبٍ‏,‏ ويحرم عليه أيضاً تطييبها‏.‏

وانظر مصطلح‏:‏ ‏(‏إحرام ف 73‏,‏ 76‏,‏ 153‏)‏‏.‏

الأخذ من اللّحية عند التّحلل من الإحرام

22 - ذهب الشّافعيّة إلى أنّه يندب للمحرم عند تحلله من الإحرام إذا لم يكن برأسه شعر أن يأخذ من شاربه أو من شعر لحيته‏.‏

وروي عن عطاءٍ وطاووسٍ أنّه يستحب لو أخذ من لحيته شيئاً‏.‏

وذهب الحنفيّة إلى أنّه يستحب للمحرم عند تحلله قص أظافره وشاربه واستحداده بعد حلق رأسه ولا يأخذ من لحيته شيئاً‏,‏ ولكن إن أخذ منها لم يجب عليه شيء‏.‏

الدّية أو الأرش في إتلاف شعر اللّحية

23 - تتّفق المذاهب الأربعة على أنّ من أزال لحية رجلٍ عمداً أو خطأً‏,‏ بحلق أو نتفٍ أو معالجةٍ بدواء أو غير ذلك‏,‏ فإنّه إن عاد الشّعر فنبت كما كان فلا شيء من ديةٍ أو غيرها إلا الأدب في العمد‏.‏

أمّا إن لم ينبت الشّعر‏,‏ لفساد منبته‏,‏ كما لو صبّ عليه ماءً حاراً‏,‏ فقد اختلف الفقهاء فيه‏:‏

فذهبت الحنفيّة والحنابلة إلى أنّ فيها ديةً كاملةً إن أذهبها كلّها‏,‏ سواء كانت خفيفةً أو كثيفةً‏,‏ قالوا‏:‏ لأنّه أزال الجمال على الكمال‏,‏ وفي نصفها نصف الدّية‏.‏

ثمّ قال الحنفيّة‏:‏ وما كان أقلّ من ذلك ففيه حكومة عدلٍ‏,‏ وفي قولٍ عندهم‏:‏ تجب كل الدّية لأنّه في الشّين فوق من لا لحية له أصلاً‏,‏ قال في شرح الكافي‏:‏ هو الصّحيح‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ يعتبر قدر الذّاهب منها بالمساحة‏,‏ فيعطى من الدّية بنسبة ذلك‏.‏

قال الحنفيّة‏:‏ ولا شيء في إذهاب لحية كوسجٍ على ذقنه شعرات معدودة‏,‏ قالوا‏:‏ لأنّها تشينه ولا تزينه‏.‏

ولو كان على خدّه أيضاً ولكنّه غير متّصلٍ فحكومة عدلٍ لأنّ فيه بعض الجمال‏,‏ ولو متّصلاً ففيه كل الدّية‏,‏ لأنّه ليس بكوسج وفيه معنى الجمال‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ إن أزالها وبقي منها ما لا جمال فيه فعليه الدّية كاملةً لإذهابه المقصود منه كلّه‏.‏

واستدلوا على إيجاب الدّية في شعر اللّحية بقول عليٍّ وزيد بن ثابتٍ رضي الله عنهما‏:‏ في الشّعر الدّية‏.‏

ويؤجّل سنةً ليتحقّق من عدم نباتها‏,‏ فإن مات فيها فعند أبي حنيفة تسقط الدّية‏,‏ وقال الصّاحبان‏:‏ فيها حكومة عدلٍ‏.‏

وإن نبت الشّعر أبيض قال أبو حنيفة كذلك‏:‏ لا شيء فيها‏,‏ وقال الصّاحبان‏:‏ فيها حكومة عدلٍ‏.‏

فإن عاد الشّعر فنبت بعد أن أخذ المجني عليه ما فيه من ديةٍ أو بعضها أو حكومة العدل ردّه‏,‏ وإن لم يعد ورجي عوده انتظر ما يقوله أهل الخبرة‏.‏

وذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى أنّه لا تجب الدّية في إذهاب شعر اللّحية بل فيه حكومة عدلٍ‏.‏

التّعزير بحلق اللّحية

24 - لا يجوز التّعزير بحلق اللّحية لكونه أمراً محرّماً في ذاته عند الجمهور‏,‏ والّذين قالوا بأنّ الحلق في ذاته مكروه‏,‏ وهو الأصح عند الشّافعيّة‏,‏ قالوا‏:‏ لا يجوز التّعزير بحلقها‏.‏

لحية الميّت

25 - ذهب الحنفيّة إلى أنّه يكره تسريح لحية الميّت أو قص شعره أو حلقه لعدم الحاجة إليه‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ يكره حلق شعر الميّت الّذي لا يحرم حلقه حال الحياة كشعر الرّأس‏,‏ فإن كان يحرم حلقه حال الحياة - وهو شعر اللّحية - حرم‏,‏ قال الدّردير‏:‏ وهو بدعة قبيحة لم تعهد من السّلف‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ يكره تسريح شعره رأساً كان أو لحيةً لأنّه يقطعه من غير حاجةٍ إليه‏.‏

قالوا‏:‏ ويحرم حلق رأسه ولحيته‏.‏

أمّا الشّافعيّة فيرون أنّ تسريح لحية الميّت غير المحرم حسن لإزالة ما في أصول الشّعر من الوسخ أو بقايا السّدر‏,‏ ويكون ذلك بمشط واسع الأسنان‏,‏ برفق ليقلّ الانتتاف‏.‏

ثمّ إن أزيل بعض الشّعر بحلق أو قصٍّ أو تسريحٍ يجعل الزّائد مع الميّت في كفنه‏.‏

لُزوم

التّعريف

1 - اللزوم في اللغة‏:‏ مصدر‏,‏ فعله لزِم يلزَم‏.‏

يقال‏:‏ لزم فلان فلاناً أي‏:‏ كان معه فلم يفارقه‏,‏ ومثله في المعنى لازمه ملازمةً ولزاماً‏,‏ والتزمه بمعنى‏:‏ اعتنقه‏,‏ واللزوم أيضاً‏:‏ الملازمة للشّيء والتّمسك به أو المداومة عليه‏,‏ ومنه حديث عائشة رضي الله عنها أنّها‏:‏ كانت إذا عملت العمل لزمته‏.‏

ولزمه المال‏:‏ وجب عليه‏,‏ ولزمه الطّلاق وجب حكمه وهو قطع الزّوجيّة‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

الجواز‏:‏

2 - من معاني الجواز في اللغة‏:‏ الصّحّة والنّفاذ يقال‏:‏ جاز العقد‏:‏ نفذ ومضى على الصّحّة‏,‏ وأجزت العقد‏:‏ جعلته جائزاً نافذاً‏.‏

وفي الاصطلاح قال الزّركشي‏:‏ يطلق على أمورٍ‏:‏

أحدها‏:‏ على رفع الحرج‏,‏ أعم من أن يكون واجباً أو مندوباً أو مكروهاً‏.‏

الثّاني‏:‏ على مستوى الطّرفين‏,‏ وهو التّخيير بين الفعل والتّرك‏.‏

الثّالث‏:‏ على ما ليس بلازم‏,‏ وهو اصطلاح الفقهاء في العقد‏.‏

والصّلة بين اللزوم والجواز أنّ الجواز في بعض معانيه يضاد اللزوم‏.‏

الأحكام المتعلّقة باللزوم

لزوم الأمر والمداومة عليه

3 - منه ما أمر به النّبي صلى الله عليه وسلم من لزوم الجماعة في الفتن‏,‏ كما في حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أنّه صلى الله عليه وسلم قال له في شأن الفتن‏:‏ «تلزم جماعة المسلمين وإمامهم ، فقال حذيفة‏:‏ فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام ‏؟‏ قال‏:‏ فاعتزل تلك الفرق كلّها»‏.‏

قال ابن بطّالٍ‏:‏ فيه حجّة لجماعة الفقهاء في وجوب لزوم جماعة المسلمين وترك الخروج على الأئمّة‏,‏ وقال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه في خطبته بالجابية‏:‏ عليكم بالجماعة وإيّاكم والفرقة‏.‏

ومنه لزوم العمل ، بمعنى المداومة عليه‏,‏ وهو مندوب إليه في التّطوعات لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «أحب الأعمال إلى اللّه أدومها وإن قلّ»‏,‏ وتقدّم الحديث عن عائشة رضي الله عنها أنّها كانت إذا عملت عملاً لزمته‏.‏

لكن إن كان ذلك العمل الّذي دخل فيه المكلّف على نيّة الالتزام له من شأنه أن يكون فيه مشقّة خارجة عن المعتاد‏,‏ أو يورث مللاً‏,‏ فقد ذكر الشّاطبيّ أنّه يكون مكروهاً ابتداءً‏,‏ لأنّ الدّين يسر‏,‏ ولخوف التّقصير أو العجز عن القيام بما هو أولى وآكد في الشّرع‏.‏

وقد نبّه النّبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا‏,‏ ففي الحديث عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال له‏:‏ «ألم أخبر أنّك تصوم النّهار وتقوم اللّيل ‏؟‏ فقلت‏:‏ بلى يا رسول اللّه ، قال‏:‏ فلا تفعل ، صم وأفطر ، وقم ونم ، فإنّ لجسدك عليك حقاً ، وإنّ لعينك عليك حقاً ، وإنّ لزوجك عليك حقاً ، وإنّ لزورك عليك حقاً ، وإنّ بحسبك أن تصوم كلّ شهرٍ ثلاثة أيّامٍ»‏.‏

وذكر ابن القيّم أنّه ليس للإنسان أن يلزم طريقةً واحدةً مخترعةً في العبادة بحيث يراها لازمةً كلزوم الفرائض‏,‏ فلا يخرج عنها‏,‏ ويقدح فيمن خرج عنها ويذمه‏,‏ أو يلزم مكاناً في المسجد للصّلاة لا يصلّي إلا فيه‏,‏ واحتجّ بالحديث‏:‏ «نهى النّبي صلى الله عليه وسلم أن يُوطِنَ الرّجل المكان في المسجد كما يوطن البعير»‏.‏

لزوم الغريم

4 - لزوم الغريم نوع من العقوبة ثبت في السنّة النّبويّة‏,‏ فعن كعب بن مالكٍ رضي الله عنه‏:‏ «أنّه كان له على عبد اللّه بن أبي حَدْرَد الأسلميّ دين فلقيه فلزمه فتكلّما حتّى ارتفعت أصواتهما ، فمرّ بهما النّبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ يا كعب وأشار بيده كأنّه يقول النّصف ، فأخذ نصف ما عليه وترك نصفاً»‏.‏

ويأخذ فقهاء المذاهب بعقوبة الملازمة‏,‏ وجعلوها حقاً لصاحب الدّين‏,‏ وقد تعرّض الحنفيّة لذلك في أبواب الحبس من كتاب القضاء‏,‏ فلصاحب الحقّ أن يلزم غريمه حتّى يقضيه حقّه‏,‏ وذكر ابن عابدين أنّ له ملازمته ليلاً ونهاراً‏,‏ ولطالب الحقّ أن يلازم الغريم‏,‏ وإن لم يأمره القاضي بملازمته‏,‏ ولا فلّسه‏,‏ وهذا إن كان مقراً بالحقّ‏,‏ أو ثبت عند القاضي وأطلقه لإعساره‏,‏ أو لم يكن ثمّة قاضٍ‏,‏ والرّأي في الملازمة لصاحب الحقّ‏,‏ إن شاء لازم المدين بنفسه ولو كره المدين ذلك‏,‏ وإن شاء وكّل غيره بملازمته‏,‏ فإن وكّل أحداً بملازمته لم يكن وكيلاً بالقبض ولا بالخصومة‏,‏ ما لم يجعل إليه ذلك‏.‏

وصفة الملازمة على ما يذكره الحنفيّة أنّه يلزمه في قيامه وقعوده‏,‏ ولا يمنعه من الدخول إلى أهله‏,‏ أو دخول بيته لطعام ونحوه‏.‏

قالوا‏:‏ ولا يلازمه في المسجد‏,‏ على المذهب‏,‏ ولا يقيمه في الشّمس‏,‏ أو على الثّلج‏,‏ أو في موضعٍ يضر به‏,‏ ولا يمنعه من عملٍ يكتسب منه رزقه‏,‏ بل يلازمه وهو يعمل‏,‏ أو يعطيه نفقته ونفقة عياله ويمنعه من العمل‏.‏

قالوا‏:‏ وإن كان المدين امرأةً والطّالب رجلاً فله أن يلازمها حيث لا تخشى الفتنة‏,‏ كالسوق ونحوه‏,‏ أمّا حيث تخشى الفتنة فإنّه يوكّل امرأةً بملازمتها‏.‏

وعند الشّافعيّة‏:‏ لو أراد مستحق الدّين لزوم المدين بدلاً عن الحبس مكّن ما لم يقل تشق عليّ الطّهارة والصّلاة مع ملازمته‏,‏ ويختار الحبس‏,‏ فيجيبه القاضي إلى ذلك‏.‏

وعند الحنابلة‏:‏ يحرم مطالبة المعسر وملازمته ويجوز ملازمة الموسر المماطل إن خيف هروبه‏.‏

وكذا عند المالكيّة يحرم ملازمة المعسر‏,‏ قالوا‏:‏ يحرم ملازمته بحيث كلّما يأتيه شيء يأخذ منه‏,‏ لأنّ اللّه تعالى أوجب إنظار المعسر إلى الميسرة‏.‏

اللزوم بمعنى الوجوب والتّحتم

5 - يأتي اللزوم بمعنى الوجوب والتّحتم‏,‏ قال الطوفيّ‏:‏ الواجب هو اللازم المستحق‏.‏

مصادر اللزوم

اللزوم إمّا أن يكون بإلزام اللّه تعالى‏,‏ أو إلزام الغير‏,‏ أو إلزام المرء نفسه‏.‏

وبيان ذلك فيما يأتي‏:‏

اللزوم بإلزام اللّه تعالى

6 - يلزم العبد فعل ما أوجبه اللّه تعالى عليه من الفرائض والواجبات من العبادات عند وجود أسبابها‏,‏ وتحقق شروط الوجوب‏,‏ وانتفاء موانعه‏,‏ وإذا فسدت لزم قضاؤُها‏.‏ ويستتبع ذلك إلزامه بكلّ ما لا يتم الواجب إلا به‏,‏ ممّا هو مقدور له‏,‏ كالسّفر بالنّسبة للحجّ‏,‏ والطّهارة بالنّسبة للصّلاة‏,‏ وغير ذلك ممّا هو مبيّن في قاعدة ‏"‏ ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ‏"‏‏.‏

ويلزم المكلّف الكف عن كلّ ما حرّمه اللّه عليه من الأفعال‏.‏

اللزوم بإلزام الغير

7 - ممّن تلزم طاعته شرعاً‏,‏ وتلزم تصرفاته على الغير‏,‏ من يلي‏:‏

أ - ولي الأمر‏,‏ وهو الإمام الّذي صحّت ولايته شرعاً‏,‏ فتلزم طاعته الرّعيّة‏,‏ لقول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ‏}‏‏,‏ ونوّاب الإمام تلزم طاعتهم فيما أنابهم الإمام فيه‏,‏ كأمير الجيش‏,‏ والوالي‏,‏ والمتولّي جباية الزّكاة‏.‏

والطّاعة اللازمة هنا هي ما كان في غير معصيةٍ‏,‏ فإن أمر بمعصية اللّه فلا طاعة له‏,‏ لأنّ طاعة اللّه ألزم‏,‏ ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق‏.‏

‏(‏ر‏:‏ أولو الأمر ف 5‏)‏‏.‏

ب - القاضي الّذي ولاه الإمام الحكم بين النّاس‏,‏ فما حكم به على إنسانٍ في خصومةٍ لزمه الحكم‏,‏ وكذا إذا حجر على سفيهٍ أو مفلسٍ لزمته أحكام الحجر ، وإذا تصرّف في مالٍ ضالٍّ ببيع أو نحوه لزم تصرفه‏,‏ وللقاضي إلزام النّاس بأحكام اللّه تعالى‏,‏ كالكفّارات والنذور‏.‏

‏(‏ر‏:‏ قضاء ف 27‏)‏‏.‏

ج - الزّوج فيما يأمر به زوجته من المعروف‏.‏

‏(‏ر‏:‏ طاعة ف 10‏)‏‏.‏

د - التّصرف بالولاية الشّرعيّة‏,‏ كتصرف الأبّ في مال ولده الصّغير أو المجنون بما فيه مصلحتهما‏,‏ وتصرف الوصيّ كذلك‏.‏

‏(‏ر‏:‏ ولاية‏)‏‏.‏

هـ - التّصرف بالوكالة‏,‏ فتصرفات الوكيل لازمة للموكّل فيما وكّله فيه‏.‏

‏(‏ر‏:‏ وكالة‏)‏‏.‏

اللزوم بإلزام المرء نفسه

8 - قد يلزم الإنسان نفسه بأمر فيلزمه ذلك شرعاً إن لم يخالف الشّرع‏,‏ بمعنى أنّ الشّرع جعل التزامه سبباً للزوم‏,‏ ومن ذلك‏:‏

أ - العقد‏,‏ فإذا عقدا بينهما عقداً لزمهما حكمه‏,‏ كعقد البيع مثلاً يلزم به انتقال ملكيّة المبيع إلى المشتري‏,‏ وملكيّة الثّمن إلى البائع‏,‏ وكعقد الإجارة يلزم به الأجير العمل‏,‏ ويلزم المستأجر الأجرة‏.‏

ومن هذا القبيل أيضاً كل شرطٍ صحيحٍ التزمه العاقد في العقد‏,‏ فيلزمه‏,‏ وذلك لقول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ‏}‏‏,‏ وقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «المسلمون على شروطهم»‏,‏ على أنّ بين الفقهاء اختلافاً وتفصيلاً فيما يصح من الشروط وما لا يصح‏,‏ وينظر ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏اشتراط ف 11 وما بعدها‏)‏‏.‏

ب - تصرفات فرديّة قوليّة تلزم المتصرّف أحكامها بمجرّد صدور القول عنه‏,‏ ومن ذلك الوقف والكفالة والعهد والنّذر واليمين والعتق والطّلاق والرّجعة‏,‏ ويرجع لمعرفة أحكام كلٍّ منها إلى مصطلحه‏.‏

ودخول الكافر في الإسلام التزام إجمالي لأحكامه‏.‏

لزوم العقود وجوازها

9 - يقصد بلزوم العقد عدم جواز فسخه من قبل أحد العاقدين إلا برضا العاقد الآخر‏,‏ وما جاز للعاقد فسخه بغير رضا العاقد الآخر يسمّى عقداً جائزاً‏.‏

فالبيع والسّلم والإجارة عقود لازمة‏,‏ إذ أنّها متى صحّت لا يجوز فسخها بغير التّقايل‏,‏ ولو امتنع أحد العاقدين عن الوفاء بها أجبر‏.‏

وعقد النّكاح لازم لا يقبل الفسخ بالتّراضي أصلاً‏,‏ دون غيره من سائر العقود اللازمة‏,‏ لأنّه وضع على الدّوام والتّأبيد‏,‏ وإنّما يفسخ لضرورة عظيمةٍ‏,‏ وفي قولٍ‏:‏ يقبل الفسخ بالتّراضي‏.‏

والوديعة والشّركة والوكالة عقود جائزة‏,‏ لكلّ من الطّرفين فسخها ولو بغير رضا العاقد الآخر‏,‏ ومثلها المساقاة والمضاربة والمسابقة والعارية والقرض والاستصناع‏.‏

وقد يكون العقد لازماً من أحد الطّرفين جائزاً بالنّسبة للآخر‏,‏ كالرّهن فللمرتهن فسخه دون الرّاهن‏.‏

وقد يعرض للعقد اللازم ما يجعله جائزاً كالبيع إذا اشترط فيه خيار‏,‏ أو تبيّن في المبيع عيب‏,‏ فيكون لمن له الخيار الفسخ‏,‏ كالإجارة إذا طرأ عذر كما لو استأجر مرضعاً لطفله فمات الطّفل‏.‏

وقد يعرض للعقد الجائز ما يجعله لازماً ومثال ذلك الوكالة‏,‏ فهي في الأصل جائزة‏,‏ فللوكيل أن يفسخها ويعزل نفسه عنها‏,‏ كما أنّ للموكّل أن يعزله‏,‏ لكن إن تعلّق حق الوكيل بما وكّل فيه لم يكن للموكّل أن يعزله‏,‏ كما لو وكّل المستقرض المقرض بقبض دينٍ له ليكون وفاءً للقرض فلا يكون للمستقرض عزله‏,‏ وكالرّهن المشترط فيه توكيل المدين للمرتهن في بيع المرهون‏,‏ فلا يكون للرّاهن عزله لما في عزله من إبطال حقّ المرتهن ، وكالمضاربة إذا شرع العامل في العمل تلزم عند المالكيّة‏,‏ ولا تلزم عند الحنفيّة والشّافعيّة‏.‏ ومن أثبت خيار المجلس في عقد البيع مثلاً‏,‏ وهم الشّافعيّة والحنابلة‏,‏ فإنّ العقد في مدّة المجلس يكون جائزاً‏,‏ فإن انفضّ المجلس دون أن يختار أحد العاقدين الفسخ‏,‏ ابتدأ لزوم العقد من حينئذٍ‏.‏

وقد يكون العقد مختلفاً في مدى لزومه أو جوازه كالهبة مثلاً‏,‏ فمذهب مالكٍ أنّها تلزم بمجرّد العقد‏,‏ ومذهب الشّافعيّ وأحمد أنّها لا تلزم إلا بالقبض بإذن الواهب‏,‏ وفي روايةٍ عن أحمد أنّها قبل القبض جائزة في المكيل والموزون لا غير‏,‏ ومذهب أبي حنيفة أنّها جائزة بعد القبض أيضاً‏,‏ فللواهب الرجوع فيها‏,‏ ما لم يكن مانع‏,‏ كأن يكون الواهب زوجاً أو ذا رحمٍ محرّمٍ للموهوب له‏,‏ ولا يصح الرجوع إلا برضاهما أو قضاء قاضٍ‏.‏

وفي كثيرٍ من هذه العقود تفصيلات في مدى لزومها أو جوازها‏,‏ فيرجع في كلٍّ منها إلى مصطلحه‏.‏

العقد الفاسد عند الحنفيّة غير لازمٍ

10 - العقد الفاسد عند غير الحنفيّة بمعنى الباطل‏,‏ فلم ينعقد‏,‏ أمّا عند الحنفيّة فالعقد الفاسد منعقد من حيث الأصل لصدوره عن أهله في محلّه وتمام ركنه وهو الصّيغة‏,‏ لكن فسد لوصفه أي لفقده شرطاً من شروط الصّحّة‏,‏ كاشتمال البيع على جهالة المبيع أو الأجل‏,‏ أو على شرطٍ مفسدٍ‏,‏ أو ربا‏.‏

والعقد الفاسد لا يكون لازماً‏,‏ لأنّه مستحق الفسخ لحقّ اللّه تعالى‏:‏ لمخالفته الشّرع‏,‏ لكن قد يصح ويلزم إن قام العاقدان بإزالة الوصف المفسد ، كإسقاط الأجل المجهول ممّن له الحق فيه‏,‏ وكذا لو باع المشتري ما اشتراه فاسداً أو رهنه‏,‏ فإنّ شراءه يلزم‏,‏ فلو عاد إليه بفسخ أو إقالةٍ‏,‏ عاد الجواز‏.‏

‏(‏ر‏:‏ بطلان ف 10‏)‏‏.‏

حكم الوعد من حيث الجواز أو اللزوم

11 - الوعد عند جمهور العلماء غير لازمٍ‏,‏ وقيل يلزم الواعد الوفاء بالوعد ديانةً ولا يلزم قضاءً‏,‏ وعند المالكيّة أربعة أقوالٍ‏,‏ ثالثها‏:‏ يلزم إن كان على سببٍ‏,‏ ورابعها‏:‏ يلزم إن كان على سببٍ ودخل الموعود بناءً على الوعد في شيءٍ‏,‏ كأن قال‏:‏ تزوّج وأنا أعطيك ما تدفعه مهراً‏,‏ أو‏:‏ اهدم دارك وأنا أسلّفك ما تبنيها به‏,‏ فتزوّج أو هدم داره بناءً على الوعد‏.‏

انظر‏:‏ ‏(‏التزام ف 43‏,‏ ووعد‏)‏‏.‏

اللزوم عند الأصوليّين

12 - اللزوم أن يثبت أمراً عند ثبوت أمرٍ آخر‏,‏ كلزوم المسبّب للسّبب أو المعلول للعلّة‏,‏ فالأوّل اللازم‏,‏ والثّاني الملزوم‏.‏

والتّعبير باللازم عن الملزوم أو عكسه نوع من أنواع المجاز‏,‏ أمّا إن استعمل اللّفظ في حقيقته وأريد لازم المعنى فهو كناية‏,‏ كما يأتي بيانه في الملحق الأصوليّ إن شاء اللّه‏.‏ ودلالة الكلام على معنىً غير مقصودٍ من سياقه‏,‏ ولكنّه لازم للمعنى الّذي سيق الكلام لأجله هو نوع من أنواع الدّلالات اللّفظيّة يسمّيه الحنفيّة إشارة النّصّ‏,‏ كدلالة‏:‏ ‏{‏وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَََلاثُونَ شَهْراً‏}‏ مع‏:‏ ‏{‏وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ‏}‏ على أنّ مدّة الحمل يمكن أن تكون ستّة أشهرٍ‏.‏

ولازم المذهب ليس بمذهب‏,‏ وهذه قاعدة عند الفقهاء والأصوليّين‏,‏ فمن قال كلاماً يلزم منه الكفر‏,‏ وليس كفراً في ذاته‏,‏ لم يحكم بتكفيره إن لم يقصد هذا اللازم‏.‏

وحكم القاضي بشيء هل هو حكم بلازمه ‏؟‏ قال الحنابلة‏:‏ نعم‏,‏ فلا يحكم قاضٍ آخر بخلاف اللازم في تلك الواقعة‏,‏ لأنّه يكون نقضاً لحكم الأوّل‏,‏ ومثّلوا له بحكمه ببيع عبدٍ أعتقه من أحاط الدّين بماله‏,‏ فإنّه يعتبر حكماً ببطلان العتق‏,‏ فلا يحكم قاضٍ آخر فيه بخلافه‏,‏ لأنّه يكون نقضاً لحكم الأوّل بالاجتهاد‏,‏ والاجتهاد لا ينقض باجتهاد‏.‏

والتّفصيل في الملحق الأصوليّ‏.‏